الشهيد والأمة

د.ضياء عبدالله عبودالجابر الاسدي

جامعة كربلاء/ كلية القانون

عندما نتحدث عن الشهادة لا نريد أن نخلد التضحية والفداء فحسب،بل نقدس الموت أو الشهادة في سبيل الله ،والمبدأ والعقيدة،والتي يقهر فيها الشهيد صلف الطغاة وتجبرهم،فكيف إذا كان المستشهد(الشهيد)،هو أبو الأحرار وسيد الشهداء الإمام الحسين عليه وعلى جده وأبيه وأمه وأخيه،والتسعة المعصومين من ذريته وبنيه أفضل الصلوات وأتم التسليم،سبط رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم،وأبن سيدة نساء العالمين،وبضعة الهادي المصطفى،التي من آذاها آذاه،فاطمة الزهراء سلام الله عليها،ونجل أمير المُتقين وسيد البُلغاء والمتكلمين بعد رسول رب العالمين،ذاك الذي قال فيه سيد الكونين((حسين مني وأنا من حسين))،((أحب الله من أحب حسينا))،وفيه وفي أخيه الإمام الحسن المسموم،عليهما السلام،((ألحسن والحسين أماما قاما وان قعدا))،((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة))،((الحسن والحسين ريحانتاي من الجنة-الدنيا-))،والعديد من الأحاديث والرويات التي تدلل على مكانتهما من رسول الله ،وأهل بيت العصمة و النبوة،فهل حفظت الأمة الأمانة والوديعة التي أستودعها رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم فيهم؟؟؟!!!                                                                            

((أني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي،ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا)).                      

أن الذي يستحق أن نقف عنده ،هو تضحية الشهيد بنفسه،فكيف بتضحية أبو الشهداء التي شملت الأصحاب وأهل البيت،حتى انتهت إلى نفسه الزكية الطاهرة،((يأيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي))،فأصبحت تضحيته مركبة،ذات أبعاد ثلاث:-                                                      

البعد الأول /التضحية بالأصحاب،الذي قد يرى فيه البعض، مسألة طبيعية ،طالما الأقرباء والأهل في سلامة ومأمن.

البعد الثاني / التضحية بالأهل والأقارب،وهو من أصعب الأمور لاسيما إذا وصل إلى الشباب والرضع من العيال.

البعد الثالث / التضحية بالنفس،وهي أقصى تضحية ((والجود بالنفس أقصى غاية الجود)).                          

كل هذه التضحيات قدمت من أجل نصرة الدين،الذي كان عنواناً لخروج الإمام الحسين ،مع أهل بيته وعياله،عندما خرج من مكة يريد العراق((لم أخرج أشرا ولا بطراً،وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي))،والذي استمر على الوتيرة نفسها ،بل أكثر في ساحة المعركة ،وترسيخ العقيدة والمبدأ،((إن كان دين محمد لا يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني))،بعد أن أصبحت الأهواء والنزوات الشخصية – البعيدة عن الرسالة المحمدية-هي الحاكمة والمسيطرة على الأمة ((الضعيفة والمتراخية،والخاضعة))،وأساليب التهديد والوعيد،والإغراء هي السائدة،فوعد بملك الري تارة،وبالصفراء والبيضاء تارة ثانية،وبالقرب من السلطة وترك الدين ثالثة،الذي أصبح لعقاً على الألسنة، وكان الصنف الثالث من الناس هو الغالب فهم همج رعاع ،ينعقون مع كل ناعق ويميلون حيث تميل الريح.                                                                                                                            

أمام هذا التراجع والبعد عن أحكام الدين الإسلامي،والوفاء بالوعود ،أصبحت الأمة بحاجة إلى (( الرمز، والقدوة،مشعل الهداية ))،رمزاً للاقتداء،ومشعلاً للهداية،فوجد الإمام الحسين(الإمام المعصوم والعالم الرباني) في نفسه،وأهل بيته وصحبه الصادقين،خير قرابين،لحفظ الدين،واستمرارية الرسالة المحمدية((الإسلام محمدي الوجود،حسيني البقاء))،فلولا تلك الدماء الزكية التي سالت على رمضاء كربلاء،لما بقي للدين الإسلامي باقية ،ولو تلك أل(لا) التي قالها الإمام الحسين بوجه منتهك الحرمات ومستبيح الدماء يزيد لعنه الله،متمثلة بقوله عليه السلام ((مثلي لا يبايع مثله ))،لمل كان هناك ذكر للقران ورسالة محمد صلى الله عليه وأله وسلم،فبعد أن أصبحت الأمور حبلى،ولابد أن تتمخض المقاومة عن شيء،يهز عقول وقلوب المسلمين ،فوجد الإمام الحسين ،أن أفضل السبل هو التضحية بالنفس وأي نفس، نفس زكية طاهرة مطهرة،من بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً،((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا))،فأصبح التأريخ من حصة العظماء،وأي عظيم أعظم من الإمام الحسين الشهيد،الذي جمع بين شرف الانتساب لبيت الرسالة والوحي المطهر،وصفة الشهيد،بل سيد الشهداء، مؤسساً ومشيداً لنظرية(( انتصار الدم على السيف))،متى ما كان الدم قرباناً لدين الله وسنة رسوله،فكيف إذا كانت تلك الدماء التي أريقت في طف كربلاء أطهر الدماء وأزكاها ،دم السبط الشهيد،وسيد شباب أهل الجنة،وأهل بيته الأطهار وصحبه الأبرار،الذين بذلوا مهجهم دون الإمام الحسين(( قومٌ لبسوا القلوب على الدروع)).                                                                                                                        

إذا فالشهيد لا يحتاج إلى الأمة ،لأنه مضى شهيداً إلى ربه ،وأعطى حياته لامته،ولكن الأمة بحاجة إلى الشهيد،ليكون دافعاً وحافزاً ونبراساً لها في مسيرتها،وتكون تلك الحاجة أكبر وأكثر إلى هذا الرمز والنبراس إذا كان سيد الشهداء،الذي دمه أقدس الدماء،لان عقيدة التضحية إذا ماتت في الأمة ماتت الأمة معها ولن يكون مصيرها عندئذ إلا الخضوع والخنوع.                                                                                        

واليوم عندما نستذكر ملحمة ألطف،وبمختلف صور الاستذكار- إقامة الشعائر الحسينية- لتكون كربلاء عِبرة وعَبرة، والتي يجب أن تكون حاضراً معنا في كل وقت وحين،لعظم الفاجعة أولا،وللعبرة والموعظة ثانياً،فمهما كان تجبر الطغاة واستبدادهم،لابد من يوم الخلاص((والله لا أعطيكم بيدي أعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد)) .        

ماذا يقول الناس أن نطق الدم، دم الشهادة الحسينية الذي رسم للأجيال طريق الحرية التي لا تنال إلا بالتضحية والفداء ،من أجل المبدأ والموقف،المبدأ الذي أرسى دعائمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وغذاه وقواه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)،نصرة للدين وامتدادا للرسالة المحمدية،وما كان بقاء المبدأ واستمرار الموقف وقوته إلا بشهادة أبي الأحرار،فبفضل الدماء التي أريقت في رمضاء كربلاء سقطت طواغيت بني أمية وبني العباس وكل الطواغيت اللاحقة حتى عصرنا هذا.                                                                          

وما جرى في العراق- سقوط الطاغية – في عام 2003 ليس ببعيد، إذ سقط نظام دكتاتوري متسلط بكل معنى الكلمة،مارس القمع والظلم ضد شعبه،ولكن الله سبحانه وتعالى كان بالمرصاد(الله تعالى يمهل ولا يهمل))،وكانت لدماء الشهداء الذين ضحوا من أجل إسقاط نظام البعث المقبور،صداها وثمارها الواضحة،فهذا صدر العراق السيد الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله الذي توقع- بناء على إيمان واعتقاد صادق- ومن خلال خطاباته لأبناء الشعب العراقي في سبعينيات القرن العشرين،بسقوط هذا البعث الفاسد،وليكون هذا السقوط في الأيام التي توافق الذكرى السنوية لاستشهاده ،فهل هذه صدفة،أم إرادة ومشيئة ربانية ،لكنه سبحانه وتعالى يريد أن يمن على المستضعفين في العراق ويجعلهم الوارثين.                                                                                                

                                                                                              

لقد كانت دماء الشهداء المعاول التي هدمت دول الظلم والاستبداد التي مهما طال زمانها وعلى بنيانها وجار حكامها، لابد من يوم الخلاص الذي مَنَ الله به على شعب العراق،بعد سنوات من المحنة والحصار، سنوات عجاف استنزفت فيها طاقات الشعب وقدرات أهله ظلماً وعدواناً،صرفها الله عنا بقدرته ومنه أنه نعم المولى ونعم النصير.

فمادامت هناك قبلة للأحرار، كربلاء للتضحية والفداء، وحسين يزار ،وموعود منتظر،لن ننسى ما أوصانا به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من حب الحسين والسير على نهجه المحمدي العلوي الفاطمي الحسني الحسيني…….المهدوي،ليبقى دم الشهادة والشهيد خالدا ما بقي الدهر((كذب الزمان فالحسين مخلد     كلما مر الزمان ذكره يتجدد)).                                                                                                                   وهاهم اليوم رجال القوات المسلحة وابطال الحشد الشعبي يسطرون اروع الملاحم والبطولات،ويقدمون ارواحهم من اجل ان يحيى ابناء هذا الشعب بعز وكرامة ومن اجل ان تصان المقدسات والحرمات،وتبقى المبادئ التي استشهد من اجلها الحسين عليه السلام سارية ،ويبقى الاسلام المحمدي الحق،لا ماتدعيه عصابات وزمر الارهاب والتكفير داعش وامثالها .                                                                                                      .

فالاسلام ما دعى اليه الرسول من حب وتسامح واخوة،واعمار وبناء،اسلام الدنيا والاخرى،اسلام الحياة والسلم والسلام، لا ما تدعو اليه تلك الجماعات التكفيرية الظلامية من قتل وارهاب وتدميرا وخراب .                       .